الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ وَتَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ}. قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ: قَوْلُهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} أَقْسَمَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى الْبُرُوجِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِذَلِكَ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْقُصُورِ. قَالُوا: وَالْبُرُوجُ: الْقُصُورُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ، قَالَ غَيْرُهُ: بَلْ هِيَ الْكَوَاكِبُ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (الْبُرُوجِ) يَزْعُمُونَ أَنَّهَا قُصُورٌ فِي السَّمَاءِ، وَيُقَالُ: هِيَ الْكَوَاكِبُ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِذَلِكَ: وَالسَّمَاءِ ذَاتِ النُّجُومِ، وَقَالُوا: نُجُومُهَا: بُرُوجُهَا.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {ذَاتِ الْبُرُوجِ} قَالَ: الْبُرُوجُ: النُّجُومُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} قَالَ: النُّجُومُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} وَبُرُوجُهَا: نُجُومُهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَالسَّمَاءُ ذَاتُ الرَّمْلِ وَالْمَاءِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ قَزْعَةَ، قَالَ: ثَنَا حُصَيْنُ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ حُسَيْنٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} قَالَ: ذَاتُ الرَّمْلِ وَالْمَاءِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ أَنْ يُقَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَالسَّمَاءُ ذَاتُ مَنَازِلِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ الْبُرُوجَ جَمْعُ بُرْجٍ، وَهِيَ مَنَازِلٌ تُتَّخَذُ عَالِيَةً عَنِ الْأَرْضِ مُرْتَفِعَةً، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} هِيَ مَنَازِلٌ مُرْتَفِعَةٌ عَالِيَةٌ فِي السَّمَاءِ، وَهِيَ اثْنَا عَشَرَ بُرْجًا، فَمُسَيَّرُ الْقَمَرِ فِي كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا يَوْمَانِ وَثُلُثٍ، فَذَلِكَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ مَنْـزِلًا ثُمَّ يَسْتَسِرُّ لَيْلَتَيْنِ، وَمَسِيرُ الشَّمْسِ فِي كُلِّ بُرْجٍ مِنْهَا شَهْرٌ. وَقَوْلُهُ: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَأَقْسُمُ بِالْيَوْمِ الَّذِي وَعَدْتُهُ عِبَادِي لِفَصْلِ الْقَضَاءِ بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ، وَجَاءَ الْخَبَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقَ الرَّازِيِّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَة». قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِثْلَهُ. حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: ثَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي عَمَّارٌ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: "الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ". قَالَ يُونُسُ، وَكَذَلِكَ الْحَسَنُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} يَعْنِي: يَوْمَ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} قَالَ: الْقِيَامَةُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ: {الْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ يُونُسَ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ عَمَّارِ بْنِ أَبِي عَمَّارٍ، مَوْلَى بَنِي هَاشِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَة». حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زُرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « {الْيَوْمُ الْمَوْعُودُ} يَوْمُ الْقِيَامَةِ"». وَقَوْلُهُ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَأَقْسَمَ بِشَاهِدٍ، قَالُوا: وَهُوَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَشْهُودٌ قَالُوا: وَهُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، قَالَ: أَنْبَأَنِي عَمَّارٌ، قَالَ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ؛ قَالَ يُونُسُ، وَكَذَلِكَ قَالَ الْحَسَنُ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ مُضَرِّبٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيٍّ رِضَيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَيَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ؛ وَيُقَالُ: الشَّاهِدُ: الْإِنْسَانُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}: يَوْمَانِ عَظِيمَانِ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدَ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَارِثِ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشَّاهِدُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَشَاهِدٍ) يَوْمُ الْجُمُعَةِ، (وَمَشْهُودٍ): يَوْمُ عَرَفَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «وَشاهِدٍ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَمَشْهُودٍ: يَوْمُ عَرَفَة». حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ وَإِسْحَاقُ الرَّازِيُّ، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَة». حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ مُوسَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكَ، عَنِ ابْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «"إِنَّسَيِّدَ الْأَيَّامِ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ الْشَّاهِدُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَة». حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ مُوسَى بْن عُبَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْشَّاهِدُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا مُؤْمِنٌ يَدْعُو اللَّهَ بِخَيْرٍ إِلَّا اسْتَجَابَ لَهُ، وَلَا يَسْتَعِيذُهُ مِنْ شَرٍّ إِلَّا أَعَاذَه». حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي ضَمْضَمُ بْنُ زَرْعَةَ، عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الشَّاهِدَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَإِنَّ الْمَشْهُودَ يَوْمُ عَرَفَةَ، فَيَوْمُ الْجُمُعَةِ خِيَرَةُ اللَّهِ لَنَا"». حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، قَالَ: سَيِّدُ الْأَيَّامِيَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَهُوَ شَاهِدٌ. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ الْمَكِّيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَرَأَ {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكٍ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، عَنْ {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: سَأَلْتَ أَحَدًا قَبْلِي؟ قَالَ: نَعَمْ، سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا يَوْمُ الذَّبْحِ وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ؛ قَالَ: لَا وَلَكِنَّ الشَّاهِدَ: مُحَمَّدٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا} وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ قَرَأَ: {ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي الضُّحَى، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَرْمَلَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: (وَمَشْهُودٍ): يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاهِدُ: الْإِنْسَانُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ الْمُحَارِبِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَسْبَاطُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنِ ابْن أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشَّاهِدُ: ابْنُ آدَمَ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الْإِنْسَانُ، وَقَوْلُهُ: (وَمَشْهُودٍ) قَالَ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْن أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ: الشَّاهِدُ: الْإِنْسَانُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: شَاهِدٍ: ابْنُ آدَمَ، وَمَشْهُودٍ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (وَشاهِدٍ) يَعْنِي: الْإِنْسَانُ (وَمَشْهُودٍ) يَوْمُ الْقِيَامَةِ، قَالَ اللَّهُ: {وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ}. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشَّاهِدُ: مُحَمَّدٌ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا}. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاهِدُ: اللَّهُ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: (وَشَاهِدٍ) يَقُولُ: اللَّهُ (وَمَشْهُودٍ) يَقُولُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْأَضْحَى، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ شِبَاكَ، قَالَ: سَأَلَ رَجُلٌ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ، عَنْ {شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: سَأَلْتَ أَحَدًا قَبْلِي؟ قَالَ: نَعَمْ، سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ وَابْنَ الزُّبَيْرِ، فَقَالَا: يَوْمُ الذَّبْحِ، وَيَوْمُ الْجُمُعَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الشَّاهِدُ: يَوْمُ الْأَضْحَى، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ عَرَفَةَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} قَالَ: الشَّاهِدُ: يَوْمُ عَرَفَةَ، وَالْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: الْمَشْهُودُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ، وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. ذِكْرُ الرِّوَايَةِ بِذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: ثَنِي عَمِّي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ زَيْدٍ بْنِ أَيْمَنٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ نَسِيِّ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «"أَكْثِرُوا عَلَيَّ الصَّلَاةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَإِنَّهُ يَوْمٌ مَشْهُودٌ تَشْهَدُهُ الْمَلَائِكَةُ"». وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا: أَنْ يُقَالَ: إِنَّ اللَّهَ أَقْسَمَ بِشَاهِدٍ شَهِدَ، وَمَشْهُودٍ شَهِدَ، وَلَمْ يُخْبِرْنَا مَعَ إِقْسَامِهِ بِذَلِكَ أَيُّ شَاهِدٍ وَأَيُّ مَشْهُودٍ أَرَادَ، وَكُلُّ الَّذِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْعُلَمَاءَ قَالُوا: هُوَ الْمَعْنِيُّ مِمَّا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُقَالَ لَهُ: {شَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ}. وَقَوْلُهُ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} يَقُولُ: لُعِنَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ. وَكَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنِ النَّارِ أَنَّهَا قَتَلَتْهُمْ. وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيأَصْحَابِ الْأُخْدُودِ؛ مَنْ هُمْ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَوْمٌ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ مِنْ بَقَايَا الْمَجُوسِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ الْقمْيُّ، عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ أَبزى، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ الْمُهَاجِرُونَ مِنْ بَعْضِ غَزَوَاتِهِمْ، بَلَغَهُمْ نَعْيُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَيُّ الْأَحْكَامِ تَجْرِي فِي الْمَجُوسِ، وَإِنَّهُمْ لَيْسُوا بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَلَيْسُوا مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَبِ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضَيَ اللَّهُ عَنْهُ: قَدْ كَانُوا أَهْلَ كِتَابٍ، وَقَدْ كَانَتِ الْخَمْرُ أُحِلَّتْ لَهُمْ، فَشَرِبَهَا مَلِكٌ مِنْ مُلُوكِهِمْ حَتَّى ثَمِلَ مِنْهَا، فَتَنَاوَلَ أُخْتَهُ فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ السُّكْرُ قَالَ لَهَا: وَيْحَكِ، فَمَا الْمَخْرَجُ مِمَّا ابْتُلِيتُ بِهِ؟ فَقَالَتْ: اخْطُبِ النَّاسَ، فَقُلْ: يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ، فَقَامَ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنِ اللَّهَ قَدْ أَحَلَّ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ، فَقَالَ النَّاسُ: إِنَّا نَبْرَأُ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذَا الْقَوْلِ، مَا أَتَانَا بِهِ نَبِيٌّ، وَلَا وَجَدْنَاهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ، فَرَجَعَ إِلَيْهَا نَادِمًا، فَقَالَ لَهَا: وَيْحَكِ، إِنِ النَّاسَ قَدْ أَبَوْا عَلَيَّ أَنْ يُقِرُّوا بِذَلِكَ، فَقَالَتْ: ابْسُطْ عَلَيْهِمُ السِّيَاطَ، فَفَعَلَ، فَبَسَطَ عَلَيْهِمُ السِّيَاطَ، فَأَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا، فَرَجَعَ إِلَيْهَا نَادِمًا، فَقَالَ: إِنَّهُمْ أَبَوْا أَنْ يُقِرُّوا، فَقَالَتْ: اخْطُبْهُمْ، فَإِنْ أَبَوْا فَجَرِّدْ فِيهِمُ السَّيْفَ، فَفَعَلَ، فَأَبَى عَلَيْهِ النَّاسُ، فَقَالَ لَهَا: قَدْ أَبَى عَلَيَّ النَّاسُ، فَقَالَتْ: خَدِّ لَهُمُ الْأُخْدُودَ، ثُمَّ اعْرِضْ عَلَيْهَا أَهْلَ مَمْلَكَتِكَ، فَمَنْ أَقَرَّ وَإِلَّا فَاقْذِفْهُ فِي النَّارِ، فَفَعَلَ، ثُمَّ عَرَضَ عَلَيْهَا أَهْل مَمْلَكَتِهِ، فَمَنْ لَمْ يُقِرَّ مِنْهُمْ قَذَفَهُ فِي النَّارِ، فَأَنْـزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} إِلَى {أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} حَرَّقُوهُمْ {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} فَلَمْ يَزَالُوا مُنْذُ ذَلِكَ يَسْتَحِلُّونَ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ وَالْبَنَاتِ وَالْأُمَّهَاتِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} قَالَ: حُدِّثْنَا أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ يَقُولُ: هُمْ نَاسٌ بِمَزَارِعِ الْيَمَنِ، اقْتَتَلَ مُؤْمِنُوهَا وَكُفَّارُهَا، فَظَهَرَ مُؤْمِنُوهَا عَلَى كُفَّارِهَا، ثُمَّ اقْتَتَلُوا الثَّانِيَةَ، فَظَهَرَ مُؤْمِنُوهَا عَلَى كُفَّارِهَا ثُمَّ أَخَذَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَهْدًا وَمَوَاثِيقَ أَنْ لَا يَغْدِرُ بَعْضُهُمْ بِبَعْضٍ، فَغَدَرَ بِهِمُ الْكُفَّارُ فَأَخَذُوهُمْ أَخْذًا، ثُمَّ إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ لَهُمْ: هَلْ لَكُمْ إِلَى خَيْرٍ، تُوقِدُونَ نَارًا ثُمَّ تَعْرِضُونَنَا عَلَيْهَا، فَمَنْ تَابَعَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَذَلِكَ الَّذِي تَشْتَهُونَ، وَمَنْ لَا اقْتَحَمَ النَّارَ، فَاسْتَرَحْتُمْ مِنْهُ، قَالَ: فأجَّجُوا نَارًا وَعُرِضُوا عَلَيْهَا، فَجَعَلُوا يَقْتَحِمُونَهَا صَنَادِيدُهُمْ، ثُمَّ بَقِيَتْ مِنْهُمْ عَجُوزٌ كَأَنَّهَا نَكَصَتْ، فَقَالَ لَهَا طِفْلٌ فِي حِجْرِهَا: يَا أُمَّاهُ امْضِي وَلَا تُنَافِقِي. قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ نَبَّأَهُمْ وَحَدِيثَهُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدَ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} قَالَ: يَعْنِي الْقَاتِلِينَ الَّذِينَ قَتَلُوهُمْ يَوْمَ قَتَلُوا. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} قَالَ: هُمْ نَاسٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ خَدُّوا أُخْدُودًا فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ أَوْقَدُوا فِيهَا نَارًا، ثُمَّ أَقَامُوا عَلَى ذَلِكَ الْأُخْدُودِ رِجَالًا وَنِسَاءً، فَعُرِضُوا عَلَيْهَا، وَزَعَمُوا أَنَّهُ دَانْيَالُ وَأَصْحَابُهُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ جَمِيعًا، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} قَالَ: كَانَ شُقُوقٌ فِي الْأَرْضِ بِنَجْرَانَ كَانُوا يُعَذِّبُونَ فِيهَا النَّاسَ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ} يَزْعُمُونَ أَنَّ أَصْحَابَ الْأُخْدُودِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ، أَخَذُوا رِجَالًا وَنِسَاءً، فَخَدُّوا لَهُمْ أُخْدُودًا، ثُمَّ أَوْقَدُوا فِيهَا النِّيرَانَ، فَأَقَامُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهَا، فَقَالُوا: تَكْفُرُونَ أَوْ نَقْذِفُكُمْ فِي النَّارِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُعَمَّرٍ، قَالَ: ثَنِي حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: ثَنَا ثَابِتٌ البُنَانَيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ صُهَيْبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «"كَانَ فِيمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ مَلِكٌ، وَكَانَ لَهُ سَاحِرٌ، فَأَتَى السَّاحِرُ الْمَلِكَ فَقَالَ: قَدْ كَبِرَتْ سِنِّيّ، وَدَنَا أَجَلِي، فَادْفَعْ لِي غُلَامًا أُعَلِّمْهُ السِّحْرَ "، قَالَ: " فَدَفَعَ إِلَيْهِ غُلَامًا يُعَلِّمُهُ السِّحْرَ "، قَالَ: " فَكَانَ الْغُلَامُ يَخْتَلِفُ إِلَى السَّاحِرِ، وَكَانَ بَيْنَ السَّاحِرِ وَبَيْنَ الْمَلِكِ رَاهِبٌ "، قَالَ: " فَكَانَ الْغُلَامُ إِذَا مَرَّ بِالرَّاهِبِ قَعَدَ إِلَيْهِ فَسَمِعَ مِنْ كَلَامِهِ، فَأُعْجِبَ بِكَلَامِهِ، فَكَانَ الْغُلَامُ إِذَا أَتَى السَّاحِرَ ضَرَبَهُ وَقَالَ: مَا حَبَسَكَ؟ وَإِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَعَدَ عِنْدَ الرَّاهِبِ يَسْمَعُ كَلَامَهُ، فَإِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ ضَرَبُوهُ وَقَالُوا: مَا حَبَسَكَ؟ فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى الرَّاهِبِ فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: إِذَا قَالَ لَكَ السَّاحِرُ: مَا حَبَسَكَ؟ قُلْ حَبَسَنِي أَهْلِي، وَإِذَا قَالَ أَهْلُكَ: مَا حَبَسَكَ؟ فَقُلْ حَبَسَنِي السَّاحِرُ. فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ مَرَّ فِي طَرِيقٍ وَإِذَا دَابَّةٌ عَظِيمَةٌ فِي الطَّرِيقِ قَدْ حَبَسَتِ النَّاسَ لَا تَدَعُهُمْ يَجُوزُونَ، فَقَالَ الْغُلَامُ: الْآنَ أَعْلَمُ: أَمْرُ السَّاحِرِ أَرْضَى عِنْدَ اللَّهِ أَمْ أَمْرُ الرَّاهِبِ؟ قَالَ: فَأَخَذَ حَجَرًا "، قَالَ: فَقَالَ: " اللَّهُمْ إِنْ كَانَ أَمْرُ الرَّاهِبِ أَحَبَّ إِلَيْكَ مِنْ أَمْرِ السَّاحِرِ، فَإِنِّي أَرْمِي بِحَجَرِي هَذَا فَيَقْتُلُهُ وَيَمُرُّ النَّاسُ، قَالَ: فَرَمَاهَا فَقَتَلَهَا، وَجَازَ النَّاسُ؛ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّاهِبَ "، قَالَ: وَأَتَاهُ الْغُلَامُ فَقَالَ الرَّاهِبُ لِلْغُلَامِ: إِنَّكَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنِ اُبْتُلِيتَ فَلَا تَدُلَّنَّ عَلَي"؛ قَالَ: "وَكَانَ الْغُلَامُ يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَسَائِرَ الْأَدْوَاءِ، وَكَانَ لِلْمَلِكِ جَلِيسٌ، قَالَ: فَعَمِيَ، قَالَ: فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَاهُنَا غُلَامًا يُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَسَائِرَ الْأَدْوَاءِ فَلَوْ أَتَيْتَهُ؟ قَالَ: " فَاتَّخَذَ لَهُ هَدَايَا "؛ قَالَ: " ثُمَّ أَتَاهُ فَقَالَ: يَا غُلَامُ، إِنْ أَبْرَأْتَنِي فَهَذِهِ الْهَدَايَا كُلُّهَا لَكَ، فَقَالَ: مَا أَنَا بِطَبِيبٍ يَشْفِيكَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ يَشْفِي، فَإِذَا آمَنْتَ دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ يَشْفِيَكَ "، قَالَ: " فَآمَنَ الْأَعْمَى، فَدَعَا اللَّهَ فَشَفَاهُ، فَقَعَدَ الْأَعْمَى إِلَى الْمَلِكِ كَمَا كَانَ يَقْعُدُ، فَقَالَ لَهُ الْمَلِكُ: أَلَيْسَ كُنْتَ أَعْمَى؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَنْ شَفَاكَ؟ قَالَ: رَبِّي، قَالَ: وَلَكَ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَ: نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ "، قَالَ: " فَأَخَدَهُ بِالْعَذَابِ فَقَالَ: لَتَدُلَّنِي عَلَى مَنْ عَلَّمَكَ هَذَا "، قَالَ: " فَدَلَّ عَلَى الْغُلَامِ، فَدَعَا الْغُلَامَ فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكَ "، قَالَ: " فَأَبَى الْغُلَامُ "؛ قَالَ: فَأَخَذَهُ بِالْعَذَاب"، قَالَ: "فَدَلَّ عَلَى الرَّاهِبِ، فَأَخَذَ الرَّاهِبَ فَقَالَ: ارْجِعْ عَنْ دِينِكِ فَأَبَى"، قَالَ: "فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى هَامَتِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى بَلَغَ الْأَرْض"، قَالَ: "وَأَخَذَ الْأَعْمَى فَقَالَ: لَتَرْجِعَنَّ أَوْ لِأَقْتُلَنَّك"، قَالَ: "فَأَبَى الْأَعْمَى، فَوَضَعَ الْمِنْشَارَ عَلَى هَامَتِهِ فَشَقَّهُ حَتَّى بَلَغَ الْأَرْضَ، ثُمَّ قَالَ لِلْغُلَامِ: لَتَرْجِعَنَّ أَوْ لِأَقْتُلَنَّك"، قَالَ: "فَأَبَى"، قَالَ: " فَقَالَ: اذْهَبُوا بِهِ حَتَّى تَبْلُغُوا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ، وَإِلَّا فَدَهْدِهُوهُ، فَلَمَّا بَلَغُوا بِهِ ذِرْوَةَ الْجَبَلِ فَوَقَعُوا فَمَاتُوا كُلُّهُمْ. وَجَاءَ الْغُلَامُ يَتَلَمَّسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ: أَيْنَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: كَفَانِيهِمُ اللَّهُ. قَالَ: فَاذْهَبُوا بِهِ فَاحْمِلُوهُ فِي قُرْقُورٍ فَتَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ، فَإِنْ رَجَعَ عَنْ دِينِهِ وَإِلَّا فَغَرِّقُوه" قَالَ: "فَذَهَبُوا بِهِ، فَلَمَّا تَوَسَّطُوا بِهِ الْبَحْرَ قَالَ الْغُلَامُ: اللَّهُمَّ اكْفِنِيهِمْ، فَانْكَفَأَتْ بِهِمُ السَّفِينَةُ. وَجَاءَ الْغُلَامُ يَتَلَمَّسُ حَتَّى دَخَلَ عَلَى الْمَلِكِ، فَقَالَ الْمَلِكُ: أَيْنَ أَصْحَابُكَ؟ قَالَ: دَعَوْتُ اللَّهَ فَكَفَانِِيهِمْ، قَالَ: لِأَقْتُلَنَّكَ، قَالَ: مَا أَنْتَ بِقَاتِلِي حَتَّى تَصْنَعَ مَا آمُرُك"، قَالَ: " فَقَالَ الْغُلَامُ لِلْمَلِكِ: اجْمَعِ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ اصْلُبْنِي، ثُمَّ خُذْ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِي فَارْمِنِي وَقُلْ: بِاسْمِ رَبِّ الْغُلَامِ فَإِنَّكَ سَتَقْتُلُنِي"، قَالَ: "فَجَمَعَ النَّاسَ فِي صَعِيدٍ وَاحِد"، قَالَ: "وَصَلَبَهُ وَأَخَذَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فَوَضَعَهُ فِي كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ رَمَى، فَقَالَ: بِاسْمِ رَبِّ الْغُلَامِ، فَوَقَعَ السَّهْمُ فِي صُدْغِ الْغُلَامِ، فَوَضَعَ يَدَهُ هَكَذَا عَلَى صُدْغِهِ وَمَاتَ الْغُلَامُ، فَقَالَ النَّاسُ: آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلَامِ، فَقَالُوا لِلْمَلِكِ: مَا صَنَعْتَ ! الَّذِي كُنْتَ تَحْذَرُ قَدْ وَقَعَ، قَدْ آمَنَ النَّاسُ، فَأَمَرَ بِأَفْوَاهِ السِّكَكِ فَأُخِذَتْ، وَخَدَّ الْأُخْدُودَ وَضَرَّمَ فِيهِ النِّيرَانَ، وَأَخَذَهُمْ وَقَالَ: إِنْ رَجَعُوا وَإِلَّا فَأَلْقُوهُمْ فِي النَّار"، قَالَ: "فَكَانُوا يُلْقُونَهُمْ فِي النَّار"، قَالَ: "فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مَعَهَا صَبِيٌّ لَهَا"، قَالَ: "فَلَمَّا ذَهَبَتْ تَقْتَحِمُ وَجَدَتْ حَرَّ النَّارِ، فَنَكَصَت"، قَالَ: " فَقَالَ لَهَا صَبِيُّهَا يَا أُمَّاهُ امْضِي فَإِنَّكِ عَلَى الْحَقِّ، فَاقْتَحَمَتْ فِي النَّارِ"». وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الَّذِينَ أَحْرَقَتْهُمُ النَّارُ هُمُ الْكُفَّارُ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ قَوْمًا مُؤْمِنِينَ اعْتَزَلُوا النَّاسَ فِي الْفَتْرَةِ، وَإِنَّ جَبَّارًا مِنْ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ، فَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الدُّخُولُ فِي دِينِهِ، فَأَبَوْا، فَخَدَّ أُخْدُودًا، وَأَوْقَدَ فِيهِ نَارًا، ثُمَّ خَيَّرَهُمْ بَيْنَ الدُّخُولِ فِي دِينِهِ، وَبَيْنَ إِلْقَائِهِمْ فِي النَّارِ، فَاخْتَارُوا إِلْقَاءَهُمْ فِي النَّارِ، عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ دِينِهِمْ، فَأُلْقُوْا فِي النَّارِ، فَنَجَّى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ أُلْقُوْا فِي النَّارِ مِنَ الْحَرِيقِ، بِأَنْ قَبَضَ أَرْوَاحَهُمْ قَبْلَ أَنْ تَمَسَّهُمُ النَّارُ، وَخَرَجَتِ النَّارُ إِلَى مَنْ عَلَى شَفِير الْأُخْدُودِ مِنَ الْكُفَّارِ فَأَحْرَقَتْهُمْ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ: {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَةِ {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} فِي الدُّنْيَا. وَاخْتُلِفَ فِيمَوْضِعِ جَوَابِ الْقَسَمِ بِقَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ}فَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَوَابُهُ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: وَقَعَ الْقَسْمُ هَاهُنَا {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْبَصْرَةِ: مَوْضِعُ قَسَمِهَا- وَاللَّهُ أَعْلَمُ- عَلَى {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}، أُضْمِرُ اللَّامُ كَمَا قَالَ: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا} يُرِيدُ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَقَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، فَأَلْقَى اللَّامُ، وَإِنْ شِئْتَ قُلْتَ عَلَى التَّقْدِيمِ، كَأَنَّهُ قَالَ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ، وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ. وَقَالَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ الْكُوفَةِ: يُقَالُ فِي التَّفْسِيرِ: إِنَّ جَوَابَ الْقَسَمِ فِي قَوْلِهِ: (قُتِلَ) كَمَا كَانَ قَسَمُ {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} فِي قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ} هَذَا فِي التَّفْسِيرِ، قَالُوا: وَلَمْ نَجِدِ الْعَرَبَ تَدَعُ الْقَسَمَ بِغَيْرِ لَامٍ يَسْتَقْبِلُ بِهَا أَوْ "لَا" أَوْ "إِنْ" أَوْ "مَا"، فَإِنْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَكَأَنَّهُ مِمَّا تَرَكَ فِيهِ الْجَوَابُ، ثُمَّ اسْتُؤْنِفَ مَوْضِعُ الْجَوَابِ بِالْخَبَرِ، كَمَا قِيلَ: "يَأَيُّهَا الْإِنْسَان" فِي كَثِيرٍ مِنَ الْكَلَامِ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: جَوَابُ الْقَسَمِ فِي ذَلِكَ مَتْرُوكٌ، وَالْخَبَرُ مُسْتَأْنِفٌ؛ لِأَنَّ عَلَامَةَ جَوَابُ الْقَسَمِ لَا تَحْذِفُهَا الْعَرَبُ مِنَ الْكَلَامِ إِذَا أَجَابَتْهُ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِقَوْلِهِ: {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ}: لُعِنَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ الَّذِينَ أَلْقَوُا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ فِي الْأُخْدُودِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ؛ لِلَّذِي ذَكَرْنَا عَنِ الرَّبِيعِ مِنَ الْعِلَّةِ، وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ لَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ مَعَ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَلَوْ لَمْ يَكُونُوا أَحْرَقُوا فِي الدُّنْيَا، لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} مَعْنَى مَفْهُومٍ، مَعَ إِخْبَارِهِ أَنَّ لَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ؛ لِأَنَّ عَذَابَ جَهَنَّمَ هُوَ عَذَابُ الْحَرِيقِ مَعَ سَائِرِ أَنْوَاعِ عَذَابِهَا فِي الْآخِرَةِ، وَالْأُخْدُودُ: الْحُفْرَةُ تُحْفَرُ فِي الْأَرْضِ. وَقَوْلُهُ: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ} فَقَوْلُهُ (النَّارِ): رَدَّ عَلَى الْأُخْدُودِ، وَلِذَلِكَ خُفِضَتْ، وَإِنَّمَا جَازَ رَدُّهَا عَلَيْهِ وَهِيَ غَيْرُهُ، لِأَنَّهَا كَانَتْ فِيهِ، فَكَأَنَّهَا إِذْ كَانَتْ فِيهِ هُوَ، فَجَرَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ الْمُخَاطَبِينَ بِهِ بِمَعْنَاهُ، وَكَأَنَّهُ قِيلَ: قُتِلَ أَصْحَابُ النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ، وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ:: {ذَاتِ الْوَقُودِ} ذَاتِ الْحَطَبِ الْجَزْلِ، وَذَلِكَ إِذَا فُتِحَتِ الْوَاوُ، فَأَمَّا الْوَقُودُ بِضَمِّ الْوَاوِ، فَهُوَ الِاتِّقَادُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحُمَيْدِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: النَّارُ ذَاتُ الْوَقُودِ؛ إِذْ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ عَلَيْهَا، يَعْنِي عَلَى النَّارِ، فَقَالَ: عَلَيْهَا، وَالْمَعْنَى: أَنَّهُمْ قُعُودٌ عَلَى حَافَّةِ الْأُخْدُودِ، فَقِيلَ: عَلَى النَّارِ، وَالْمَعْنَى: لِشَفِيرِ الْأُخْدُودِ، لِمَعْرِفَةِ السَّامِعِينَ مَعْنَاهُ. وَكَانَ قَتَادَةُ يَقُولُ فِي ذَلِكَ مَا حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ} يَعْنِي بِذَلِكَ الْمُؤْمِنِينَ، وَهَذَا التَّأْوِيلُ الَّذِي تَأَوَّلَهُ قَتَادَةُ عَلَى مَذْهَبِ مَنْ قَالَ: قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ مِنْ أَهْلِ الْإِيْمَانِ. وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ مِنْ تَأْوِيلِ ذَلِكَ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ الَّذِي وَجَّهَ تَأْوِيلَهُ قَتَادَةُ قَبْلَهُ. وَقَوْلُهُ: {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} يَعْنِي: حُضُورٌ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ} يَعْنِي بِذَلِكَ الْكَفَّارَ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَمَا وَجَدَ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارُ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِالنَّارِ فِي شَيْءٍ، وَلَا فَعَلُوا بِهِمْ مَا فَعَلُوا بِسَبَبٍ، إِلَّا مِنْ أَجْلٍ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِاللَّهِ، وَقَالَ: {إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ} لِأَنَّ الْمَعْنَى إِلَّا إِيمَانُهُمْ بِاللَّهِ، فَلِذَلِكَ حَسُنَ فِي مَوْضِعِهِ (يُؤْمِنُوا)، إِذْ كَانَ الْإِيمَانُ لَهُمْ صِفَةَ (الْعَزِيزِ). يَقُولُ: الشَّدِيدُ فِي انْتِقَامِهِ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ (الْحَمِيدِ) يَقُولُ: الْمَحْمُودُ بِإِحْسَانِهِ إِلَى خَلْقِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَالْأَرَضِينَ وَمَا فِيهِنَّ {وَاللَّهُ عَلَى كُلِ شَيْءٍ شَهِيدٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَاللَّهُ عَلَى فِعْلِ هَؤُلَاءِ الْكُفَّارِ مِنْ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ بِالْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ فَتَنُوهُمْ شَاهِدٌ، وَعَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَفْعَالِهِمْ وَأَفْعَالِ جَمِيعِ خَلْقِهِ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ جَزَاءَهُمْ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يَقُولُ: إِنَّ الَّذِينَ ابْتَلَوُا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِاللَّهِ بِتَعْذِيبِهِمْ، وَإِحْرَاقِهِمْ بِالنَّارِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} حَرَّقُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا} قَالَ: عَذَّبُوا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} قَالَ: حَرَّقُوهُمْ بِالنَّارِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} يَقُولُ: حَرَّقُوهُمْ. حَدَّثَنَا ابْن حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَعْقُوبُ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنِ ابْنِ أَبْزَى {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} حَرَّقُوهُمْ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} يَقُولُ: ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا مَنْ كُفْرِهِمْ وَفِعْلِهِمُ الَّذِي فَعَلُوا بِالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنْ أَجْلِ إِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَةِ {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} فِي الدُّنْيَا. كَمَا حُدِّثْتُ عَنْ عَمَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الرَّبِيعِ {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ} فِي الْآخِرَةِ {وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} فِي الدُّنْيَا.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ الَّذِينَ أَقَرُّوا بِتَوْحِيدِ اللَّهِ، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الْقَوْمُ الَّذِينَ حَرَّقَهُمْ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ وَغَيْرُهُمْ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ التَّوْحِيدِ {وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} يَقُولُ: وَعَمِلُوا بِطَاعَةِ اللَّهِ، وأْتَمَرُوا لِأَمْرِهِ، وَانْتَهَوْا عَمَّا نَهَاهُمْ عَنْهُ {لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ} يَقُولُ: لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عِنْدَ اللَّهِ بَسَاتِينَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالْخَمْرُ وَاللَّبَنُ وَالْعَسَلُ {ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ} يَقُولُ: هَذَا الَّذِي هُوَ لِهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْآخِرَةِ، هُوَ الظُّفْرُ الْكَبِيرُ بِمَا طَلَبُوا وَالْتَمَسُوا بِإِيمَانِهِمْ بِاللَّهِ فِي الدُّنْيَا، وَعَمَلِهِمْ بِمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ فِيهَا وَرَضِيَهُ مِنْهُمْ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ بَطْشَ رَبِّك يَا مُحَمَّدُ لِمَنْ بَطَشَ بِهِ مِنْ خَلْقِهِ، وَهُوَ انْتِقَامُهُ مِمَّنِ انْتَقَمَ مِنْهُ لَشَدِيدٌ، وَهُوَ تَحْذِيرٌ مِنَ اللَّهِ لِقَوْمِ رَسُولِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يُحِلَّ بِهِمْ مِنْ عَذَابِهِ وَنِقْمَتِهِ، نَظِيرَ الَّذِي حَلَّ بِأَصْحَابِ الْأُخْدُودِ عَلَى كُفْرِهِمْ بِهِ، وَتَكْذِيبِهِمْ رَسُولَهُ، وَفِتْنَتِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ مِنْهُمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنِ اللَّهَ أَبْدَى خَلْقَهُ، فَهُوَ يَبْتَدِئُ، بِمَعْنَى: يُحْدِثُ خَلْقَهُ ابْتِدَاءً، ثُمَّ يُمِيتُهُمْ، ثُمَّ يُعِيدُهُمْ أَحْيَاءً بَعْدَ مَمَاتِهِمْ، كَهَيْئَتِهِمْ قَبْلَ مَمَاتِهِمْ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثِتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} يَعْنِي: الْخَلْقُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} قَالَ: يُبْدِئُ الْخَلْقَ حِينَ خَلْقِهِ، وَيُعِيدُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ الْعَذَابَ وَيُعِيدُهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ} قَالَ: يُبْدِئُ الْعَذَابَ وَيُعِيدُهُ. وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ، وَأَشْبَهُهُمَا بِظَاهِرٍ مَا دَلَّ عَلَيْهِ التَّنْـزِيلُ الْقَوْلُ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَهُوَ أَنَّهُ يُبْدِئُ الْعَذَابَ لِأَهْلِ الْكُفْرِ بِهِ وَيُعِيدُ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ} فِي الدُّنْيَا، فَأَبْدَأَ ذَلِكَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَهُوَ يُعِيدُهُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا أَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ ذَلِكَ قَوْلَهُ: {إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} فَكَانَ لِلْبَيَانِ عَنْ مَعْنَى شِدَّةِ بَطْشِهِ الَّذِي قَدْ ذَكَرَهُ قَبْلَهُ، أَشْبَهُ بِهِ بِالْبَيَانِ عَمَّا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ، وَمِمَّا يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا مِنْ ذَلِكَ وُضُوحًا وَصِحَّةً، قَوْلُهُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} فَبَيَّنَ ذَلِكَ عَنْ أَنَّ الَّذِي قَبْلُهُ مِنْ ذِكْرِ خَبَرِهِ عَنْ عَذَابِهِ وَشَدَّةِ عِقَابِهِ. وَقَوْلُهُ: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَهُوَ ذُو الْمَغْفِرَةِ لِمَنْ تَابَ إِلَيْهِ مِنْ ذُنُوبِهِ، وَذُو الْمَحَبَّةِ لَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {الْغَفُورُ الْوَدُودُ} يَقُولُ: الْحَبِيبُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: {الْغَفُورُ الْوَدُودُ} قَالَ: الرَّحِيمُ. وَقَوْلُهُ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ذُو الْعَرْشِ الْكَرِيمِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} يَقُولُ: الْكَرِيمُ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (الْمَجِيدُ) فَقَرَأَتُهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَالْبَصْرَةِ وَبَعْضِ الْكُوفِيِّينَ رَفْعًا، رَدًّا عَلَى قَوْلِهِ: {ذُو الْعَرْشِ} عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ. وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ خَفْضًا، عَلَى أَنَّهُ مِنْ صِفَةِ الْعَرْشِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَقَوْلُهُ: {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} يَقُولُ: هُوَ غَفَّارٌ لِذُنُوبِ مَنْ شَاءَ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا تَابَ وَأَنَابَ مِنْهَا، مُعَاقِبٌ مَنْ أَصَرَّ عَلَيْهَا وَأَقَامَ، لَا يَمْنَعُهُ مَانِعٌ، مِنْ فِعْلٍ أَرَادَ أَنْ يَفْعَلَهُ، وَلَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ حَائِلٌ؛ لِأَنَّ لَهُ مُلْكَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. وَقَوْلُهُ: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هَلْ جَاءَك يَا مُحَمَّدُ حَدِيثُ الْجُنُودِ الَّذِينَ تَجَنَّدُوا عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ بِأَذَاهِمْ وَمَكْرُوهِهِمْ؛ يَقُولُ: قَدْ أَتَاكَ ذَلِكَ وَعَلِمْتَهُ، فَاصْبِرْ لِأَذَى قَوْمِكَ إِيَّاكَ لِمَا نَالُوكَ بِهِ مِنْ مَكْرُوهٍ كَمَا صَبَرَ الَّذِينَ تَجَنَّدَ هَؤُلَاءِ الْجُنُودُ عَلَيْهِمْ مِنْ رُسُلِي، وَلَا يُثْنِيكَ عَنْ تَبْلِيغِهِمْ رِسَالَتِي، كَمَا لَمْ يُثْنِ الَّذِينَ أُرْسِلُوا إِلَى هَؤُلَاءِ، فَإِنَّ عَاقِبَةَ مَنْ لَمْ يُصَدِّقْكَ وَيُؤْمِنْ بِك مِنْهُمْ إِلَى عَطَبٍ وَهَلَاكٍ، كَالَّذِي كَانَ مِنْ هَؤُلَاءِ الْجُنُودِ، ثُمَّ بَيَّنَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنِ الْجُنُودِ مَنْ هُمْ، فَقَالَ: {فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ} يَقُولُ: (فِرْعَوْنُ)، فَاجْتَزَى بِذِكْرِهِ، إِذْ كَانَ رَئِيسَ جُنْدِهِ مِنْ ذِكْرِ جُنْدِهِ وَأَتْبَاعِهِ. وَإِنَّمَا مَعْنَى الْكَلَامِ: هَلْ أَتَاك حَدِيثُ الْجُنُودِ، فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ وَثَمُودَ، وَخَفَضَ فِرْعَوْنَ رَدًّا عَلَى الْجُنُودِ، عَلَى التَّرْجَمَةِ عَنْهُمْ، وَإِنَّمَا فَتَحَ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْرَى وَثَمُودَ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: مَا بِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِوَعِيدِ اللَّهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَأْتِهِمْ أَنْبَاءٌ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ الْمُكَذِّبَةِ رُسُلُ اللَّهِ كَفِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ، وَثَمُودَ وَأَشْكَالِهِمْ، وَمَا أَحَلَّ اللَّهُ بِهِمْ مِنَ النِّقَمِ بِتَكْذِيبِهِمُ الرُّسُلَ، وَلَكِنَّهُمْ فِي تَكْذِيبِهِمْ بِوَحْيِ اللَّهِ وَتَنْـزِيلِهِ، إِيثَارًا مِنْهُمْ لِأَهْوَائِهِمْ، وَاتِّبَاعًا مِنْهُمْ لِسُنَنِ آبَائِهِمْ {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} بِأَعْمَالِهِمْ مُحْصٍ لَهَا، لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهُوَ مُجَازِيهِمْ عَلَى جَمِيعِهَا. وَقَوْلُهُ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} يَقُولُ- تَكْذِيبًا مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لِلْقَائِلِينَ لِلْقُرْآنِ هُوَ شِعْرٌ وَسَجْعٌ-: مَا ذَلِكَ كَذَلِكَ، بَلْ هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} يَقُولُ: قُرْآنٌ كَرِيمٌ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} قَالَ: كَرِيمٌ. وَقَوْلُهُ: {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: هُوَ قُرْآنٌ كَرِيمٌ مُثْبَتٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: (مَحْفُوظٍ) فَقَرَأَ ذَلِكَ مَنْ قَرَأَهُ مِنْ أَهْلِ الْحِجَازِ أَبُو جَعْفَرِ الْقَارِئِ وَابْنُ كَثِيرٍ، وَمَنْ قَرَأَهُ مِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ، وَمِنَ الْبَصْرِيِّينَ أَبُو عَمْرٍو (مَحْفُوظٍ) خَفْضًا عَلَى مَعْنَى أَنَّ اللَّوْحَ هُوَ الْمَنْعُوتُ بِالْحِفْظِ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ كَانَ التَّأْوِيلُ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ مِنَ الزِّيَادَةِ فِيهِ وَالنُّقْصَانِ مِنْهُ عَمَّا أَثْبَتَهُ اللَّهُ فِيهِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ مِنَ الْمَكِّيِّينَ ابْنُ مُحَيْصِنٍ، وَمِنَ الْمَدَنِيِّينَ نَافِعٌ (مَحْفُوظٌ) رَفْعًا، رَدًّا عَلَى الْقُرْآنِ، عَلَى أَنَّهُ مِنْ نَعْتِهِ وَصِفَتِهِ. وَكَانَ مَعْنَى ذَلِكَ عَلَى قِرَاءَتِهِمَا: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ} مَحْفُوظٌ مِنَ التَّغْيِيرِ وَالتَّبْدِيلِ فِي لَوْحٍ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا أَنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مَعْرُوفَتَانِ فِي قَرَاءَةِ الْأَمْصَارِ، صَحِيحَتَا الْمَعْنَى، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ فَمُصِيبٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَبِأَيِّ الْقِرَاءَتَيْنِ قَرَأَ الْقَارِئُ، فَتَأْوِيلُ الْقِرَاءَةُ الَّتِي يَقْرَؤُهَا عَلَى مَا بَيَّنَّا. وَقَدْ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {فِي لَوْحٍ} قَالَ: فِي أُمِّ الْكِتَابِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} عِنْدَ اللَّهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا قِيلَ: مَحْفُوظٌ لِأَنَّهُ فِي جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، قَالَ: سَمِعْتُ قُرَّةَ بْنَ سُلَيْمَانَ، قَالَ: ثَنَا حَرْبُ بْنُ سُرَيْجٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فِي قَوْلِهِ: {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} قَالَ: إِنَّ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ، {بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ} فِي جَبْهَةِ إِسْرَافِيلَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ الْبُرُوجِ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ إِنْ كُلُ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}. أَقْسَمَ رَبُّنَا بِالسَّمَاءِ وَبِالطَّارِقِ الَّذِي يَطْرُقُ لَيْلًا مِنَ النُّجُومِ الْمُضِيئَةِ، وَيَخْفَى نَهَارًا، وَكُلُّ مَا جَاءَ لَيْلًا فَقَدْ طَرَقَ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ} قَالَ: السَّمَاءُ وَمَا يَطْرُقُ فِيهَا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} قَالَ: طَارِقٌ يَطْرُقُ بِلَيْلٍ، وَيَخْفَى بِالنَّهَارِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (وَالطَّارِقِ) قَالَ: ظُهُورُ النُّجُومِ، يَقُولُ: يَطْرُقَكَ لَيْلًا. حُدِّثِتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: (الطَّارِقِ) النَّجْمِ. {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَمَا أَشْعَرَكَ يَا مُحَمَّدُ مَا الطَّارِقُ الَّذِي أَقْسَمْتُ بِهِ، ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ، فَقَالَ: هُوَ النَّجْمُ الثَّاقِبُ، يَعْنِي: يَتَوَقَّدُ ضِيَاؤُهُ وَيَتَوَهَّجُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} يَعْنِي: الْمُضِيءُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} قَالَ: هِيَ الْكَوَاكِبُ الْمُضِيئَةُ، وَثُقُوبُهُ: إِذَا أَضَاءَ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} قَالَ: الَّذِي يَثْقُبُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِ اللَّهِ: (الثَّاقِبُ) قَالَ: الَّذِي يَتَوَهَّجُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ: ثُقُوبُهُ: ضَوْءُهُ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {النَّجْمُ الثَّاقِبُ}: الْمُضِيءُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} قَالَ: كَانَتْ الْعَرَبُ تُسَمِّي الثُّرَيَّا النَّجْمُ، وَيُقَالُ: إِنَّ الثَّاقِبَ النَّجْمُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ زُحَلْ. وَالثَّاقِبُ أَيْضًا: الَّذِي قَدِ ارْتَفَعَ عَلَى النُّجُومِ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ لِلطَّائِرِ- إِذَا هُوَ لَحِقَ بِبَطْنِ السَّمَاءِ ارْتِفَاعًا-: قَدْ ثَقَبَ، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَثْقِبْ نَارَكَ؛ أَيْ: أضِئْهَا. وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُلُ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ، فَقَرَأَهُ مِنْ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ أَبُو جَعْفَرٍ، وَمِنْ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ حَمْزَةُ (لَمَّا عَلَيْهَا) بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ. وَذُكِرَ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَرَأَ ذَلِكَ كَذَلِكَ. حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ هَارُونَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} مُشَدَّدَةٌ، وَيَقُولُ: إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، وَهَكَذَا كَلُّ شَيْءٍ فِي الْقُرْآنِ بِالتَّثْقِيلِ. وَقَرَأَ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ نَافِعٌ، وَمِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ أَبُو عَمْرٍو: (لَمَا) بِالتَّخْفِيفِ، بِمَعْنَى: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا حَافِظٌ، وَعَلَى أَنَّ اللَّامَ جَوَابُ "إِن" وَ" مَا " الَّتِي بَعْدَهَا صِلَةٌ. وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ تَشْدِيدٌ. وَالْقِرَاءَةُ الَّتِي لَا أَخْتَارُ غَيْرَهَا فِي ذَلِكَ التَّخْفِيفُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْكَلَامُ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَقَدْ أَنْكَرَ التَّشْدِيدَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ؛ أَنْ يَكُونَ مَعْرُوفًا مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، غَيْرَ أَنَّ الْفَرَّاءَ كَانَ يَقُولُ: لَا نَعْرِفُ جِهَةَ التَّثْقِيلِ فِي ذَلِكَ، وَنَرَى أَنَّهَا لُغَةٌ فِي هُذَيْلٍ، يَجْعَلُونَ "إِلَّا" مَعَ " إِنِ الْمُخَفَّفَةُ ": لَمَّا، وَلَا يُجَاوِزُونَ ذَلِكَ، كَأَنَّهُ قَالَ: مَا كَلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ، فَإِنْ كَانَ صَحِيحًا مَا ذَكَرَ الْفَرَّاءُ مِنْ أَنَّهَا لُغَةُ هُذَيْلٍ، فَالْقِرَاءَةُ بِهَا جَائِزَةٌ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ كَانَ الِاخْتِيَارُ أَيْضًا- إِذَا صَحَّ ذَلِكَ عِنْدَنَا- الْقِرَاءَةُ الْأُخْرَى وَهِيَ التَّخْفِيفُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتْرَكَ الْأَعْرَفُ إِلَى الْأَنْكَرِ. وَقَدْ حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاذٌ، عَنِ ابْن عَوْنٍ، قَالَ: قَرَأْتُ عِنْدَ ابْنِ سِيرِينَ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} فَأَنْكَرَهُ، وَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ. فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ إِذَنْ: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا حَافِظٌ مِنْ رَبِّهَا، يَحْفَظُ عَمَلَهَا، وَيُحْصِي عَلَيْهَا مَا تَكْسِبُ مَنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} قَالَ: كُلُّ نَفْسٍ عَلَيْهَا حَفَظَةٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ}: حَفَظَةٌ يَحْفَظُونَ عَمَلَك وَرِزْقَك وَأَجَلَكَ، إِذَا تَوَفَّيْتَهُ يَا بْنُ آدَمَ قُبِضْتَ إِلَى رَبِّكَ. وَقَوْلُهُ: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ الْمُكَذِّبُ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ، الْمُنْكِرُ قُدْرَةَ اللَّهِ عَلَى إِحْيَائِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ، {مِمَّ خُلِقَ} يَقُولُ: مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ رَبُّهُ، ثُمَّ أَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَمَّا خَلَقَهُ مِنْهُ، فَقَالَ: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} يَعْنِي: مِنْ مَاءٍ مَدْفُوقٍ، وَهُوَ مِمَّا أَخْرَجَتْهُ الْعَرَبُ بِلَفْظِ فَاعِلٍ، وَهُوَ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ، وَيُقَالُ: إِنَّ أَكْثَرَ مَنْ يَسْتَعْمِلُ ذَلِكَ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ سُكَّانُ الْحِجَازِ إِذَا كَانَ فِي مَذْهَبِ النَّعْتِ، كَقَوْلِهِمْ: هَذَا سِرٌّ كَاتِمٌ وَهمٌّ نَاصِبٌ، وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يَقُولُ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ ذَلِكَ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: مِنْهُمَا، كَمَا يُقَالُ: سَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ هَذَيْنَ الشَّيْئَيْنِ خَيْرٌ كَثِيرٌ، بِمَعْنَى: يَخْرُجُ مِنْهُمَا. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى التَّرَائِبِ وَمَوْضِعِهَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: التَّرَائِبُ: مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنْ صَدْرِ الْمَرْأَةِ. ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ. حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ الطَّفَاويُّ، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ سَابُورَ، عَنْ عَطِيَّةَ العَوْفِيِّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: التَّرَائِبُ: مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ. حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يَقُولُ: مِنْ بَيْنِ ثَدْيِّ الْمَرْأَةِ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، قَالَ: سُئِلَ عِكْرِمَةُ عَنِ التَّرَائِبِ، فَقَالَ: هَذِهِ وَوَضْعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ. حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنِي سلمٌ بْنُ قُتَيْبَةَ، قَالَ: ثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ النُّعْمَانِ الْحدَانِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عِكْرِمَةَ يَقُولُ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: صُلْبُ الرَّجُلِ، وَتَرَائِبُ الْمَرْأَةِ. حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ: التَّرَائِبُ: الصَّدْرُ. قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ أَبِي عِيَاضٍ، قَالَ: (التَّرَائِبِ): الصَّدْرُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: التَّرَائِبُ: الصَّدْرُ. وَهَذَا الصُّلْبُ وَأَشَارَ إِلَى ظَهْرِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: التَّرَائِبُ: مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ ثُوَيْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: (التَّرَائِبِ) مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالصَّدْرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: (التَّرَائِبِ) قَالَ: أَسْفَلَ مِنَ التَّرَاقِي. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: الصُّلْبُ لِلْرَّجُلِ، وَالتَّرَائِبُ لِلْمَرْأَةِ، وَالتَّرَائِبُ فَوْقَ الثَّدْيَيْنِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هُوَ الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْعَيْنَانِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: فَالتَّرَائِبُ أَطْرَافُ الرَّجُلِ وَالْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ وَالْعَيْنَانِ، فَتِلْكَ التَّرَائِبُ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: التَّرَائِبُ: الْيَدَانِ وَالرِّجْلَانِ. قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: قَالَ غَيْرُهُ: التَّرَائِبُ: مَاءُ الْمَرْأَةِ وَصُلْبُ الرَّجُلِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}: عَيْنَاهُ وَيَدَاهُ وَرِجْلَاهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى ذَلِكَ، أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَنَحْرِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} يَقُولُ: يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ صُلْبِ الرَّجُلِ وَنَحْرِهِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ الْأَضْلَاعُ الَّتِي أَسْفَلَ الصُّلْبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ يَمَانٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ جَعْفَرٍ، عَنْ سَعِيدٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: التَّرَائِبُ: الْأَضْلَاعُ الَّتِي أَسْفَلَ الصُّلْبِ. وَقَالَ آخَرُونَ: هِيَ عُصَارَةُ الْقَلْبِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي اللَّيْثُ، أَنَّ مَعْمَرَ بْنَ أَبِي حَبِيبَةَ الْمدِينِيَّ حَدَّثَهُ، أَنَّهُ بَلَغَهُ فِي قَوْلِ اللَّهِ: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} قَالَ: هُوَ عُصَارَةُ الْقَلْبِ، وَمِنْهُ يَكُونُ الْوَلَدُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، قَوْلُ مَنْ قَالَ: هُوَ مَوْضِعُ الْقِلَادَةِ مِنَ الْمَرْأَةِ، حَيْثُ تَقَعُ عَلَيْهِ مِنْ صَدْرِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَبِهِ جَاءَتْ أَشْعَارُهُمْ، قَالَ الْمُثَقبُ الْعَبْديُّ: وَمِـنْ ذَهَـبٍ يُسَـنُّ عَـلَى تَـرِيبٍ *** كَلَـوْنِ العَـاجِ لَيْسَ بِـذِي غُضُـونِ وَقَالَ آخَرُ: وَالزَّعْفَـرَانُ عَـلَى تَرَائِبِهَـا شَـرِقَا *** بِـهِ اللَّبَّـاتُ والنَّحْـرُ وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الَّذِي خَلَقَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ الدَّافِقِ، فَجَعَلَكُمْ بَشَرًا سَوِيًّا بَعْدَ أَنْ كُنْتُمْ مَاءً مَدْفُوقًا، عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْهَاءِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ: (عَلَى رَجْعِهِ) عَلَى مَا هِيَ عَائِدَةٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ عَائِدَةٌ عَلَى الْمَاءِ. وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى رَدِّ النُّطْفَةِ فِي الْمَوْضِعِ الَّتِي خَرَجَتْ مِنْهُ (لَقَادِرٌ).
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: إِنَّهُ عَلَى رَدِّهِ فِي صُلْبِهِ لَقَادِرٌ. حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: ثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: لِلصُّلْبِ. حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْهَبَارِيُّ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمُحَارِبِيُّ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: عَلَى أَنْ يَرُدَّ الْمَاءَ فِي الْإِحْلِيلِ. حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَوْدِيُّ الْوَشَّاءُ، قَالَ: ثَنَا أَبُو قطنٍ عَمْرُو بْنُ الْهَيْثَمِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: عَلَى رَدِّ النُّطْفَةِ فِي الْإِحْلِيلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى، وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: فِي الْإِحْلِيلِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: رَدَّهُ فِي الْإِحْلِيلِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّهُ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ مَاءً كَمَا كَانَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ مِنْهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} إِنْ شِئْتُ رَدَدْتُهُ كَمَا خَلَقْتُهُ مِنْ مَاءٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّهُ عَلَى حَبْسِ ذَلِكَ الْمَاءِ لَقَادِرٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} قَالَ: عَلَى رَجْعِ ذَلِكَ الْمَاءِ لَقَادِرٌ، حَتَّى لَا يَخْرُجَ، كَمَا قَدَرَ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِنْهُ مَا خَلَقَ؛ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُرْجِعَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى رَجْعِ الْإِنْسَانِ مِنْ حَالِ الْكِبَرِ إِلَى حَالِ الصِّغَرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا الْحُسَيْنُ، عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ، عَنِ الضَّحَّاكِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} يَقُولُ: إِنْ شِئْتُ رَدَدْتُهُ مِنَ الْكِبَرِ إِلَى الشَّبَابِ، وَمِنَ الشَّبَابِ إِلَى الصِّبَا، وَمِنَ الصِّبَا إِلَى النُّطْفَةِ. وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ تَكُونُ الْهَاءُ فِي قَوْلِهِ: (عَلَى رَجْعِهِ) مِنْ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ. وَقَالَ آخَرُونَ، مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّ الْهَاءَ لِلْإِنْسَانِ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى إِحْيَائِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَقَادِرٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ عَلَى بَعْثِهِ وَإِعَادَتِهِ قَادِرٌ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ اللَّهَ عَلَى رَدِّ الْإِنْسَانِ الْمَخْلُوقِ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ مِنْ بَعْدِ مَمَاتِهِ حَيًّا، كَهَيْئَتِهِ قَبْلَ مَمَاتِهِ لَقَادِرٌ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: هَذَا أَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ؛ لِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} فَكَانَ فِي إِتْبَاعِهِ قَوْلُهُ: {إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} نَبَأٌ مِنْ أَنْبَاءِ الْقِيَامَةِ، دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ السَّابِقَ قَبْلَهَا أَيْضًا مِنْهُ، وَمِنْهُ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّهُ عَلَى إِحْيَائِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ لَقَادِرٌ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ، فَالْيَوْمُ مِنْ صِفَةِ الرَّجْعِ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى: إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ لَقَادِرٌ. وَعُنِيَ بِقَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ}. يَوْمَ تُخْتَبَرُ سَرَائِرُ الْعِبَادِ، فَيَظْهَرُ مِنْهَا يَوْمَئِذٍ مَا كَانَ فِي الدُّنْيَا مُسْتَخْفِيًا عَنْ أَعْيُنِ الْعِبَادِ مِنَ الْفَرَائِضِ الَّتِي كَانَ اللَّهُ أَلْزَمَهُ إِيَّاهَا، وَكَلَّفَهُ الْعَمَلَ بِهَا. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حُدِّثْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، فِي قَوْلِهِ: {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} قَالَ: ذَلِكَ الصَّوْمُ وَالصَّلَاةُ وَغُسْلُ الْجَنَابَةِ، وَهُوَ السَّرَائِرُ، وَلَوْ شَاءَ أَنْ يَقُولَ: قَدْ صُمْتُ، وَلَيْسَ بِصَائِمٍ، وَقَدْ صَلَّيْتُ، وَلَمْ يُصَلِّ، وَقَدِ اغْتَسَلْتُ، وَلَمْ يَغْتَسِلْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} إِنَّ هَذِهِ السَّرَائِرَ مُخْتَبَرَةٌ، فَأَسِرُّوا خَيْرًا وَأَعْلِنُوهُ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ، وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ} قَالَ: تُخْتَبَرُ. وَقَوْلُهُ: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَمَا لِلْإِنْسَانِ الْكَافِرِ يَوْمَئِذٍ مِنْ قُوَّةٍ يَمْتَنِعُ بِهَا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ، وَأَلِيمِ نِكَالِهِ، وَلَا نَاصِرٍ يَنْصُرُهُ فَيَسْتَنْقِذُهُ مِمَّنْ نَالَهُ بِمَكْرُوهٍ، وَقَدْ كَانَ فِي الدُّنْيَا يَرْجِعُ إِلَى قُوَّةٍ مِنْ عَشِيرَتِهِ، يَمْتَنِعُ بِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَهُ بِسُوءٍ، وَنَاصِرٍ مِنْ حَلِيفٍ يَنْصُرُهُ عَلَى مَنْ ظَلَمَهُ وَاضْطَهَدَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَمَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} يَنْصُرُهُ مِنَ اللَّهِ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: (وَلَا نَاصِرٍ) قَالَ: مِنْ قُوَّةٍ يَمْتَنِعُ بِهَا، وَلَا نَاصِرٍ يَنْصُرُهُ مِنَ اللَّهِ. حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا ضَمْرَةُ بْنُ رَبِيعَةَ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ: {مِنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ} قَالَ: الْقُوَّةُ: الْعَشِيرَةُ، وَالنَّاصِرُ: الْحَلِيفُ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا وَأَكِيدُ كَيْدًا فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} تَرْجِعُ بِالْغُيُومِ وَأَرْزَاقِ الْعِبَادِ كُلَّ عَامٍ؛ وَمِنْهُ قَوْلُ الْمُتَنَخِّلِ فِي صِفَةِ سَيْفٍ: أبْيَـضُ كَـالرَّجْعِ رَسُـوبٌ إِذَا *** مَـا ثَـاخَ فِـي مُحْـتَفَلٍ يَخْـتَلِي وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: السَّحَابُ فِيهِ الْمَطَرُ. حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثَنَا مُؤَمِّلٌ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: ذَاتُ السَّحَابِ فِيهِ الْمَطَرُ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} يَعْنِي بِالرَّجْعِ: الْقُطْرُ وَالرِّزْقُ كُلُّ عَامٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: تَرْجِعُ بِأَرْزَاقِ النَّاسِ كُلَّ عَامٍ؛ قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: سُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَةُ، فَقَالَ: رَجَعَتْ بِالْمَطَرِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: السَّحَابُ يُمْطِرُ، ثُمَّ يَرْجِعُ بِالْمَطَرِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: تَرْجِعُ بِأَرْزَاقِ الْعِبَادِ كُلَّ عَامٍ، لَوْلَا ذَلِكَ هَلَكُوا، وَهَلَكَتْ مَوَاشِيهِمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: تَرْجِعُ بِالْغَيْثِ كُلَّ عَامٍ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ: قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: ثَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} يَعْنِي: الْمَطَرُ. وَقَالَ آخَرُونَ: يَعْنِي بِذَلِكَ: أَنَّ شَمْسَهَا وَقَمَرَهَا يَغِيبُ وَيَطْلُعُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} قَالَ: شَمْسُهَا وَقَمَرُهَا وَنُجُومُهَا يَأْتِينَ مِنْ هَاهُنَا. وَقَوْلُهُ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالْأَرْضُ ذَاتُ الصَّدْعِ بِالنَّبَاتِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ خُصَيْفٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} قَالَ: ذَاتُ النَّبَاتِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ، قَالَ: ثَنِي أَبِي، قَالَ: ثَنِي عَمِّي، قَالَ: ثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} يَقُولُ: صَدَّعَهَا إِخْرَاجُ النَّبَاتِ فِي كُلِّ عَامٍ. حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، قَالَ: ثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي رَجَاءٍ، عَنِ الْحَسَنِ {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} قَالَ: هَذِهِ تُصَدِّعُ عَمَّا تَحْتَهَا؛ قَالَ أَبُو رَجَاءٍ: وَسُئِلَ عَنْهَا عِكْرِمَةُ، فَقَالَ: هَذِهِ تُصَدِّعُ عَنِ الرِّزْقِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} مَثَلُ الْمَأْزِمِ مَأْزِمُ مِنَى. حَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} قَالَ: الصَّدْعُ: مِثْلَ الْمَأْزِمِ، غَيْرُ الْأَوْدِيَةِ وَغَيْرُ الْجُرُفِ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} تُصَدِّعُ عَنِ الثِّمَارِ وَعَنِ النَّبَاتِ كَمَا رَأَيْتُمْ. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} قَالَ: تُصَدِّعُ عَنِ النَّبَاتِ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ} وَقَرَأَ: {ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا وَعِنَبًا وَقَضْبًا} إِلَى آخَرَ الْآيَة، قَالَ: صَدْعُهَا لِلْحَرْثِ. حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدٌ، قَالَ: سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ: {وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ}: النَّبَاتِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَذَا الْقَوْلَ وَهَذَا الْخَبَرَ لَقَوْلٌ فَصْلٌ: يَقُولُ: لَقَوْلٌ يَفْصِلُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ بِبَيَانِهِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ عَلَى اخْتِلَافٍ مِنْهُمْ فِي الْعِبَارَةِ عَنْهُ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَوْلٌ حَقٌّ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَقَوْلٌ حُكْمٌ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ} يَقُولُ: حَقٌّ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ}؛ أَيْ: حُكْمٌ. وَقَوْلُهُ: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} يَقُولُ: وَمَا هُوَ بِاللَّعِبِ وَلَا الْبَاطِلِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} يَقُولُ: بِالْبَاطِلِ. حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ} قَالَ: بِاللَّعِبِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْمُكَذِّبِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ يَمْكُرُونَ مَكْرًا. وَقَوْلُهُ: {وَأَكِيدُ كَيْدًا} يَقُولُ: وَأَمْكَرُ مَكْرًا؛ وَمَكْرُهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِهِمْ: إِمْلَاؤُهُ إِيَّاهُمْ عَلَى مَعْصِيَتِهِمْ وَكُفْرِهِمْ بِهِ. وَقَوْلُهُ: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَمَهِّلْ يَا مُحَمَّدُ الْكَافِرِينَ وَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} يَقُولُ: أَمْهِلْهُمْ آنًا قَلِيلًا وَأَنْظِرْهُمْ لِلْمَوْعِدِ الَّذِي هُوَ وَقْتُ حُلُولِ النِّقْمَةِ بِهِمْ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنَا مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} يَقُولُ: قَرِيبًا. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} الرُّوَيْدُ: الْقَلِيلُ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا} قَالَ: مَهِّلْهُمْ، فَلَا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ تَرْكَهُمْ، حَتَّى لَمَّا أَرَادَ الِانْتِصَارَ مِنْهُمْ أَمْرَهُ بِجِهَادِهِمْ وَقِتَالِهِمْ، وَالْغِلْظَةِ عَلَيْهِمْ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى}. اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَاهُ: عَظِّمْ رَبَّكَ الْأَعْلَى، لَا رَبَّ أَعْلَى مِنْهُ وَأَعْظَمَ، وَكَانَ بَعْضُهُمْ إِذَا قَرَأَ ذَلِكَ قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: ثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} قَالَ: وَهِيَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ كَذَلِكَ. حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، قَالَ: ثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، قَالَ: سُفْيَانُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ عَبْدِ خَيْرٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَلْيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَرَأَ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} فَقَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا حَكَّامٌ، عَنْ عَنْبَسَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمَدَانِيِّ، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، كَانَ إِذَا قَرَأَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} يَقُولُ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، وَإِذَا قَرَأَ {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فَأَتَى عَلَى آخِرِهَا {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى}؟ يَقُولُ: سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبَلَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} ذُكِرَ لَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا قَرَأَهَا قَالَ: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ خَارِجَةَ، عَنْ دَاوُدَ، عَنْ زِيَادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْمَغْرِبِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: نَـزِّهْ يَا مُحَمَّدُ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى، أَنْ تُسَمِّيَ بِهِ شَيْئًا سِوَاهُ، يَنْهَاهُ بِذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَ مَا فَعَلَ مِنْ ذَلِكَ الْمُشْرِكُونَ مِنْ تَسْمِيَتِهِمْ آلِهَتُهُمْ بَعْضُهَا الْلَاتِ وَبَعْضُهَا الْعُزَّى. وَقَالَ غَيْرُهُمْ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: نَـزِّهْ اللَّهَ عَمَّا يَقُولُ فِيهِ الْمُشْرِكُونَ كَمَا قَالَ: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} وَقَالُوا: مَعْنَى ذَلِكَ: سَبِّحْ رَبَّكَ الْأَعْلَى؛ قَالُوا: وَلَيْسَ الِاسْمُ مَعْنِيًّا. وَقَالَ آخَرُونَ: نَـزِّهْ تَسْمِيَتَكَ يَا مُحَمَّدُ رَبَّكَ الْأَعْلَى وَذِكْرَكَ إِيَّاهُ أَنْ تَذْكُرَهُ إِلَّا وَأَنْتَ لَهُ خَاشِعٌ مُتَذَلِّلٌ؛ قَالُوا: وَإِنَّمَا عُنِيَ بِالِاسْمِ: التَّسْمِيَةُ، وَلَكِنْ وُضِعَ الِاسْمُ مَكَانَ الْمَصْدَرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}: صَلِّ بِذِكْرِ رَبِّك يَا مُحَمَّدُ، يَعْنِي بِذَلِكَ: صَلِّ وَأَنْتَ لَهُ ذَاكِرٌ، وَمِنْهُ وَجِلٌ خَائِفٌ. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَاهُ: نَـزِّهِ اسْمَ رَبِّكَ أَنْ تَدْعُوَ بِهِ الْآلِهَةَ وَالْأَوْثَانَ، لَمَا ذَكَرْتُ مِنَ الْأَخْبَارِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَنِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قَرَءُوا ذَلِكَ قَالُوا: سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى، فَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّ مَعْنَاهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مَعْلُومًا: عَظِّمِ اسْمَ رَبِّكَ وَنَـزِّهْهُ. وَقَوْلُهُ: {الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى} يَقُولُ: الَّذِي خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَسَوَّى خَلْقَهَا، وَعَدَّلَهَا، وَالتَّسْوِيَةُ التَّعْدِيلُ. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: وَالَّذِي قَدَّرَ خَلْقَهُ فَهَدَى. وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الْمَعْنَى الَّذِي عُنِيَ بِقَوْلِهِ: (فَهَدَى)، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالْبَهَائِمِ لِلْمَرَاتِعِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: (قَدَّرَ فَهَدَى) قَالَ: هَدَى الْإِنْسَانَ لِلشِّقْوَةِ وَالسَّعَادَةِ، وَهَدَى الْأَنْعَامَ لِمَرَاتِعِهَا. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ، هَدَى الذُّكُورَ لِمَأْتَى الْإِنَاثِ. وَقَدْ ذَكَرْنَا الرِّوَايَةَ بِذَلِكَ فِيمَا مَضَى. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، أَنَّ اللَّهَ عَمَّ بِقَوْلِهِ: (فَهَدَى) الْخَبَرَ عَنْ هِدَايَتِهِ خَلْقِهِ، وَلَمْ يُخَصَّصْ مِنْ ذَلِكَ مَعْنًى دُونَ مَعْنًى، وَقَدْ هَدَاهُمْ لِسَبِيلِ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَهَدَى الذُّكُورَ لِمَأْتَى الْإِنَاثِ، فَالْخَبَرُ عَلَى عُمُومِهِ حَتَّى يَأْتِيَ خَبَرٌ تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ، دَالٌّ عَلَى خُصُوصِهِ. وَاجْتَمَعَتْ قُرَّاءُ الْأَمْصَارِ عَلَى تَشْدِيدِ الدَّالِّ مِنْ قَدَّرَ، غَيْرَ الْكِسَائِيِّ فَإِنَّهُ خَفَّفَهَا. وَالصَّوَابُ فِي ذَلِكَ التَّشْدِيدُ؛ لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ. وَقَوْلُهُ: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} يَقُولُ: وَالَّذِي أَخْرَجَ مِنَ الْأَرْضِ مَرْعَى الْأَنْعَامِ مِنْ صُنُوفِ النَّبَاتِ وَأَنْوَاعِ الْحَشِيشِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ مكرمٍ، قَالَ ثَنَا الْحَفْرِيُّ، قَالَ ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي رَزِينٍ {أَخْرَجَ الْمَرْعَى} قَالَ: النَّبَاتُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} الْآيَة، نَبَتَ كَمَا رَأَيْتُمْ بَيْنَ أَصْفَرَ وَأَحْمَرَ وَأَبْيَضَ. وَقَوْلُهُ: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَجَعَلَ ذَلِكَ الْمَرْعَى غُثَاءً، وَهُوَ مَا جَفَّ مِنَ النَّبَاتِ وَيَبِسَ، فَطَارَتْ بِهِ الرِّيحُ؛ وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهِ هَاهُنَا أَنَّهُ جَعَلَهُ هَشِيمًا يَابِسًا مُتَغَيِّرًا إِلَى الْحُوَّةِ، وَهِيَ السَّوَادُ مِنْ بَعْدِ الْبَيَاضِ أَوِ الْخُضْرَةِ مِنْ شِدَّةِ الْيُبْسِ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي قَوْلِهِ: {غُثَاءً أَحْوَى} يَقُولُ: هَشِيمًا مُتَغَيِّرًا حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ، قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {غُثَاءً أَحْوَى} قَالَ: غُثَاءُ السَّيْلِ أَحَوَى، قَالَ: أَسْوَدُ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {غُثَاءً أَحْوَى} قَالَ: يَعُودُ يُبْسًا بَعْدَ خُضْرَةٍ. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنْ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} قَالَ: كَانَ بَقْلًا وَنَبَاتًا أَخْضَرَ، ثُمَّ هَاجَ فَيَبِسَ، فَصَارَ غُثَاءً أَحَوَى تَذْهَبُ بِهِ الرِّيَاحُ وَالسُّيُولُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ يَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمُؤَخَّرِ الَّذِي مَعْنَاهُ التَّقْدِيمُ، وَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ: وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى أَحَوَى؛ أَيْ: أَخْضَرَ إِلَى السَّوَادِ، فَجَعَلَهُ غُثَاءً بَعْدَ ذَلِكَ، وَيَعْتَلُّ لِقَوْلِهِ ذَلِكَ بِقَوْلِ ذِي الرُّمَّةِ: حَـوَّاءُ قَرْحَـاءُ أشْـرَاطِيَّةٌ وَكَـفَتْ *** فِيهَـا الذِّهَـابُ وَحَفَّتْهَـا الْـبَرَاعِيمُ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَدْفُوعٍ أَنْ يَكُونَ مَا اشْتَدَّتْ خُضْرَتُهُ مِنَ النَّبَاتِ، قَدْ تُسَمِّيهِ الْعَرَبُ أَسْودَ، غَيْرَ صَوَابٍ عِنْدِي بِخِلَافِهِ تَأْوِيلُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ فِي أَنَّ الْحَرْفَ إِنَّمَا يَحْتَالُ لِمَعْنَاهُ الْمُخْرَجِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَجْهٌ مَفْهُومٌ إِلَّا بِتَقْدِيمِهِ عَنْ مَوْضِعِهِ، أَوْ تَأْخِيرِهِ، فَأَمَّا وَلَهُ فِي مَوْضِعِهِ وَجْهٌ صَحِيحٌ فَلَا وَجْهَ لِطَلَبِ الِاحْتِيَالِ لِمَعْنَاهُ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ. وَقَوْلُهُ: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: سَنُقْرِئُكَ يَا مُحَمَّدُ هَذَا الْقُرْآنُ فَلَا تَنْسَاهُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ: {فَلَا تَنْسَى إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: هَذَا إِخْبَارٌ مِنَ اللَّه نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ أَنَّهُ يُعَلِّمُهُ هَذَا الْقُرْآنَ وَيُحَفِّظُهُ عَلَيْهِ، وَنَهَى مِنْهُ أَنْ يَعْجَلَ بِقِرَاءَتِهِ كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، قَالَ: ثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، قَالَ: ثَنَا عِيسَى؛ وَحَدَّثَنِي الْحَارِثُ، قَالَ: ثَنَا الْحَسَنُ؛ قَالَ: ثَنَا وَرْقَاءُ، جَمِيعًا عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَوْلَهُ: {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} قَالَ: كَانَ يَتَذَكَّرُ الْقُرْآنَ فِي نَفْسِهِ مَخَافَةَ أَنْ يَنْسَى، فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةَ: مَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ عَلَى النِّسْيَانِ، وَمَعْنَى الْكَلَامِ: فَلَا تَنْسَى، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَنْسَاهُ، وَلَا تَذْكُرَهُ، قَالُوا: ذَلِكَ هُوَ مَا نَسَخَهُ اللَّهُ مِنَ الْقُرْآنِ، فَرَفَعَ حُكْمَهُ وَتِلَاوَتَهُ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى} كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْسَى شَيْئًا {إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}. وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى النِّسْيَانِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ: التَّرْكُ؛ وَقَالُوا: مَعْنَى الْكَلَامِ: سَنُقْرِئُك يَا مُحَمَّدُ فَلَا تَتْرُكِ الْعَمَلَ بِشَيْءٍ مِنْهُ، إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَتْرُكَ الْعَمَلَ بِهِ، مِمَّا نَنْسَخُهُ. وَكَانَ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ يَقُولُ فِي ذَلِكَ: لَمْ يَشَأِ اللَّهُ أَنْ تَنْسَى شَيْئًا، وَهُوَ كَقَوْلِهِ: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ} وَلَا يَشَاءُ. قَالَ: وَأَنْتَ قَائِلٌ فِي الْكَلَامِ: لَأُعْطِيَنَّكَ كُلَّ مَا سَأَلْتَ إِلَّا مَا شِئْتُ، وَإِلَّا أَنْ أَشَاءَ أَنْ أَمْنَعَكَ، وَالنِّيَّةُ أَنْ لَا تَمْنَعُهُ، وَلَا تَشَاءُ شَيْئًا. قَالَ: وَعَلَى هَذَا مُجَارِي الْأَيْمَانِ، يُسْتَثْنَى فِيهَا، وَنِيَّةُ الْحَالِفِ: اللِّمَامُ. وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ عِنْدِي قَوْلُ مَنْ قَالَ: مَعْنَى ذَلِكَ: فَلَا تَنْسَى إِلَّا أَنْ نَشَاءَ نَحْنُ أَنْ نُنْسِيَكَهُ بِنَسْخِهِ وَرَفْعِهِ. وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِالصَّوَابِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ أَظْهَرُ مَعَانِيهِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ الْجَهْرَ يَا مُحَمَّدُ مِنْ عَمَلِكَ مَا أَظْهَرْتَهُ وَأَعْلَنْتَهُ (وَمَا يَخْفَى) يَقُولُ: وَمَا يَخْفَى مِنْهُ فَلَمْ تُظْهِرْهُ مِمَّا كَتَمْتَهُ، يَقُولُ: هُوَ يَعْلَمُ جَمِيعَ أَعْمَالِكَ سِرِّهَا وَعَلَانِيَتِهَا؛ يَقُولُ: فَاحْذَرْهُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْكَ وَأَنْتَ عَامِلٌ فِي حَالٍ مِنْ أَحْوَالِكَ بِغَيْرِ الَّذِي أَذِنَ لَك بِهِ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: ونُسَهِّلُكَ يَا مُحَمَّدُ لِعَمَلِ الْخَيْرِ وَهُوَ الْيُسْرَى، وَالْيُسْرَى: هُوَ الفُعْلَى مِنَ الْيُسْرِ. وَقَوْلُهُ: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: فَذَكِّرْ عِبَادَ اللَّهِ يَا مُحَمَّدُ عَظْمَتُهُ، وَعِظْهُمْ، وَحَذِّرْهُمْ عُقُوبَتَهُ {إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} يَقُولُ: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى الَّذِينَ قَدْ آيِسَتُكَ مِنْ إِيمَانِهِمْ، فَلَا تَنْفَعُهُمُ الذِّكْرَى. وَقَوْلُهُ: (فَذَكِّرْ) أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَذْكِيرِ جَمِيعِ النَّاسِ، ثُمَّ قَالَ: إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَدْ آيِسَتُكَ مِنْ إِيمَانِهِمْ. وَقَوْلُهُ: {سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ: سَيَذَّكَّرُ يَا مُحَمَّدُ إِذَا ذَكَّرْتَ الَّذِينَ أَمَرْتُكَ بِتَذْكِيرِهِمْ مَنْ يَخْشَى اللَّهَ، وَيَخَافُ عِقَابَهُ (وَيَتَجَنَّبُهَا) يَقُولُ: وَيَتَجَنَّبُ الذِّكْرَى (الْأَشْقَى) يَعْنِي: أَشْقَى الْفَرِيقَيْنِ {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} وَهُمُ الَّذِينَ لَمْ تَنْفَعْهُمُ الذِّكْرَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى} فَاتَّقُوا اللَّهَ، مَا خَشِيَ اللَّهَ عَبْدٌ قَطُّ إِلَّا ذَكَرَهُ {وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى} فَلَا وَاللَّهِ لَا يَتَنَكَّبُ عَبْدٌ هَذَا الذِّكْرَ زُهْدًا فِيهِ وَبُغْضًا لِأَهْلِهِ، إِلَّا شَقِيٌّ بَيِّنُ الشَّقَاءِ. وَقَوْلُهُ: {الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى} يَقُولُ: الَّذِي يَرِدُ نَارَ جَهَنَّمَ، وَهِيَ النَّارُ الْكُبْرَى، وَيَعْنِي بِالْكُبْرَى لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَالْأَلَمِ. وَقَوْلُهُ: {ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا} يَقُولُ: ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِي النَّارِ الْكُبْرَى وَلَا يَحْيَا، وَذَلِكَ أَنَّ نَفْسَ أَحَدِهِمْ تَصِيرُ فِيهَا فِي حَلْقِهِ، فَلَا تَخْرُجُ فَتُفَارِقُهُ فَيَمُوتُ، وَلَا تَرْجِعُ إِلَى مَوْضِعِهَا مِنَ الْجِسْمِ فَيَحْيَا. وَقِيلَ: لَا يَمُوتُ فِيهَا فَيَسْتَرِيحُ، وَلَا يَحْيَا حَيَاةً تَنْفَعُهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: قِيلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ إِذَا وَصَفَتِ الرَّجُلَ بِوُقُوعٍ فِي شِدَّةٍ شَدِيدَةٍ، قَالُوا: لَا هُوَ حَيٌّ، وَلَا هُوَ مَيِّتٌ، فَخَاطَبَهُمُ اللَّهُ بِالَّذِي جَرَى بِهِ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِهِمْ.
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيل قَوْلِهِ تَعَالَى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ: قَدْ نَجَحَ وَأَدْرَكَ طَلَبَتَهُ مَنْ تَطَهَّرَ مِنَ الْكُفْرِ وَمَعَاصِي اللَّهِ، وَعَمِلَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، فَأَدَّى فَرَائِضَهُ. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} يَقُولُ: مَنْ تَزَكَّى مِنَ الشِّرْكِ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، قَالَ: ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، قَالَ: ثَنَا هِشَامٌ، عَنِ الْحَسَنِ، فِي قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قَالَ: مَنْ كَانَ عَمَلُهُ زَاكِيًا. حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قَالَ: يَعْمَلُ وَرِعًا. حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَدَّى زَكَاةَ مَالِهِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قَالَ: مَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يَرْضَخَ فَلْيَفْعَلْ، ثُمَّ لِيَقُمْ فَلْيُصَلِّ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ الرَّازِيُّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو نَعِيمٍ، قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَقْمَرِ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} قَالَ: مَنْ رَضَخَ. حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَارَةَ، قَالَ: ثَنَا عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ مُرَّةَ، قَالَ: ثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ، قَالَ: إِذَا أَتَى أَحَدُكُمْ سَائِلٌ وَهُوَ يُرِيدُ الصَّلَاةَ، فَلْيُقَدِّمْ بَيْنَ يَدَيْ صِلَاتِهِ زَكَاتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فَمَنِ اسْتَطَاعَ أَنْ يُقَدِّمَ بَيْنَ يَدَيْ صِلَاتِهِ زَكَاةً فَلْيَفْعَلْ. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} تَزَكَّى رَجُلٌ مِنْ مَالِهِ، وَأَرْضَى خَالِقَهُ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ زَكَاةَ الْفِطْرِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَبْدِ الْحَمِيْدِ الْآمِلِيُّ، قَالَ: ثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِي خلْدَةَ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى أَبِي الْعَالِيَةِ، فَقَالَ لِي: إِذَا غَدَوْتَ غَدًا إِلَى الْعِيدِ فَمُرْ بِي، قَالَ: فَمَرَرْتُ بِهِ، فَقَالَ: هَلْ طَعِمْتَ شَيْئًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَفَضْتَ عَلَى نَفْسِكَ مِنَ الْمَاءِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي مَا فَعَلْتَ بِزَكَاتِكَ؟ قُلْتُ: قَدْ وَجَّهْتُهَا، قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُكَ لِهَذَا، ثُمَّ قَرَأَ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْمَدِينَةِ لَا يَرَوْنَ صَدَقَةً أَفْضَلَ مِنْهَا وَمِنْ سِقَايَةِ الْمَاءِ. وَقَوْلُهُ: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ: {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} فَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَعْنَى ذَلِكَ: وَحَّدَ اللَّهَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ ثَنْي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} يَقُولُ: وَحَّدَ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: وَذَكَرَ اللَّهَ وَدَعَاهُ وَرَغِبَ إِلَيْهِ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ: وَذَكَرَ اللَّهَ فَوَحَّدَهُ، وَدَعَاهُ وَرَغِبَ إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ كُلَّ ذَلِكَ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ، وَلَمْ يُخَصِّصِ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ ذِكْرِهِ نَوْعًا دُونَ نَوْعٍ. وَقَوْلُهُ: (فَصَلَّى) اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: عُنِيَ بِهِ: فَصَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنِي عَلِيٌّ، قَالَ: ثَنَا أَبُو صَالِحٍ، قَالَ: ثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَوْلَهُ: (فَصَلَّى) يَقُولُ: صَلَّى الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ. وَقَالَ آخَرُونَ: عُنِيَ بِهِ: صَلَاةُ الْعِيدِ يَوْمَ الْفِطْرِ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِهِ: وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَدَعَا، وَقَالُوا: الصَّلَاةُ هَاهُنَا: الدُّعَاءُ. وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ: عُنِيَ بِقَوْلِهِ: (فَصَلَّى): الصَّلَوَاتِ، وَذِكْرُ اللَّهِ فِيهَا بِالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ وَالدُّعَاءِ. وَقَوْلُهُ: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}. يَقُولُ لِلنَّاسِ: بَلْ تُؤْثِرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ (وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ) لَكُمْ (وَأَبْقَى) يَقُولُ: وَزِينَةُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَأَبْقَى؛ لِأَنَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا فَانِيَةٌ، وَالْآخِرَةُ بَاقِيَةٌ، لَا تَنْفَدُ وَلَا تَفْنَى. وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} فَاخْتَارَ النَّاسُ الْعَاجِلَةَ إِلَّا مَنْ عَصَمَ اللَّهُ. وَقَوْلُهُ: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ} فِي الْخَيْرِ (وَأَبْقَى) فِي الْبَقَاءِ. حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ، قَالَ: ثَنَا أَبُو حَمْزَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَرْفَجَةَ الثَّقَفِيِّ، قَالَ: اسْتَقْرَأْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}، فَلَمَّا بَلَغَ: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} تَرَكَ الْقِرَاءَةَ وَأَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، وَقَالَ: آثَرْنَا الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ، فَسَكَتَ الْقَوْمُ، فَقَالَ: آثَرْنَا الدُّنْيَا؛ لِأَنَّا رَأَيْنَا زِينَتَهَا وَنِسَاءَهَا وَطَعَامَهَا وَشَرَابَهَا، وَزُوِيَتْ عَنَّا الْآخِرَةُ، فَاخْتَرْنَا هَذَا الْعَاجِلَ، وَتَرْكنَا الْآجِلَ. وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْأَمْصَارِ: (بَلْ تُؤْثِرُونَ) بِالتَّاءِ، إِلَّا أَبَا عَمْرٍو فَإِنَّهُ قَرَأَهُ بِالْيَاء، وَقَالَ: يَعْنِي الْأَشْقِيَاءَ.
وَالَّذِي لَا أوثرَ عَلَيْهِ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ التَّاءِ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ مِنَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ. وَذُكِرَ أَنَّ ذَلِكَ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ: (بَلْ أَنْتُمْ تُؤْثِرُونَ) فَذَلِكَ أَيْضًا شَاهِدٌ لِصِحَّةِ الْقِرَاءَةِ بِالتَّاءِ. وَقَوْلُهُ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي الَّذِي أُشِيرُ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ هَذَا، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُشِيرَ بِهِ إِلَى الْآيَاتِ الَّتِي فِي {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عِكْرِمَةَ {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} يَقُولُ: الْآيَاتُ الَّتِي فِي {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى}. وَقَالَ آخَرُونَ: قِصَّةُ هَذِهِ السُّورَةِ.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: ثَنَا مِهْرَانُ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنِ الرَّبِيعِ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} قَالَ: قِصَّةُ هَذِهِ السُّورَةِ لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ مَعْنَى ذَلِكَ: إِنَّ هَذَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ {لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى}.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، قَالَ: ثَنَا ابْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} قَالَ: إِنَّ هَذَا الَّذِي قَصَّ اللَّهُ فِي هَذِهِ السُّورَةِ لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى {صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى}. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلْ عُنِيَ بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} فِي الصُّحُفِ الْأُولَى.
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلَهُ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى} قَالَ: تَتَابَعَتْ كُتُبُ اللَّهِ كَمَا تَسْمَعُونَ أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ وَأَبْقَى. حَدَّثَنِي يُونُسُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، قَالَ: قَالَ ابْنُ زَيْدٍ، فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} قَالَ: فِي الصُّحُفِ الَّتِي أَنْـزَلَهَا اللَّهُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى أَنَّ الْآخِرَةَ خَيْرٌ مِنَ الْأُولَى. وَأَوْلَى الْأَقْوَالِ فِي ذَلِكَ بِالصَّوَابِ، قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ قَوْلَهُ: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى، صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ، وَصُحُفِ مُوسَى بْنِ عِمْرَانَ. وَإِنَّمَا قُلْتُ: ذَلِكَ أَوْلَى بِالصِّحَّةِ مِنْ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى حَاضِرٍ، فَلِأَنْ يَكُونَ إِشَارَةٌ إِلَى مَا قَرُبَ مِنْهَا أَولَى مِنْ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى غَيْرِهِ. وَأَمَّا الصُّحُفُ: فَإِنَّهَا جَمْعُ صَحِيفَةٍ، وَإِنَّمَا عُنِيَ بِهَا: كُتُبُ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى. حَدَّثَنَا بِشْرٌ، قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ، قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخُلْدِ، قَالَ: نَـزَلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْـزِلَتْ التَّوْرَاةُ لِسِتِّ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأُنْـزِلَ الزَّبُورُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً، وَأُنْـزِلَ الْإِنْجِيلُ لِثَمَانِي عَشْرَةَ، وَأُنْـزِلَ الْفَرْقَانُ لِأَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ. آخِرُ تَفْسِيرِ سُورَةِ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى
|